الإِخْوَانُ وَقَوَالِبُ النِّفَاقِ وَالخَلَافَةُ المَزْعُومَةُ

بقلم - أبي عمرو محمد بن علي الكريمي
الحَمْدُ لله الذي أنَارَ الطَّريقَ لِلسَّالِكينَ، وأقَامَ حجَّتَهُ على الخَلْقِ أجْمَعينَ، فأرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرينَ ومُنْذِرينَ؛ ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النِّساء: 165]، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، وخيرَتُه مِنْ خَلْقِهِ صلَّى الله وسلَّمَ وبَارَكَ عَلَيْهِ وعلى آلِه وأصْحَابِه؛ أئِمَّةِ سلفنا الصالح وقادة هَذِه الأمَّةِ وسَادَتِهَا، وحَمَلَةِ دينِهَا؛ بِهِمْ حَفظَ الله تَعَالَى القُرْآنَ والسُّنَّةَ؛ بَلَّغوا مَا حُمِّلوا، فكَانوا أُمَناءَ فيما حُمِّلوا وبَلَّغوا؛ فلا يُبْغِضُهُم إلا مُنَافقٌ، ولا يَطْعَنُ فيهِمْ إلاَّ زِنْديقٌ؛ إذِ الطَّعْنُ فيهِمْ طَعنٌ في دِيَنِ الله تَعالى، وعلى التَّابِعينَ لَهُم بِإحْسَانٍ إلى يَوْمِ الدِّين.
أما بعد :
فَإِنَّ المُنَافِقُ أَشَدُّ خَطَرًا على الأُمَّةِ مِنْ الكُفَّارِ; لِأَنَّهُ يُحَاوِلُ إِفْسَادَ الدِّينِ بِأَدَوَاتِهِ، وَيَسْعَى فِي تَقْوِيضِ الأُمَّةِ مِنْ دَاخِلِهَا.. حَاسِبًا أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعًا .
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة : 11-12]
وَإِنْ مِنْ أَبْرَزِ أَلْوَانِ النِّفَاقِ إِظْهَارُ الخَيْرِ، وَ إِبْطَانِ الشَّرُّ.. وَتَجِدُ ذَلِكَ مُتَمَثِّلًا بِأَوْضَحِ صُورَةٍ اليَوْمَ فِي دُعَاةٍ الضَّلَالةِ وَأَلَّفِتنِ وَالثَّوْرَاتِ مِنْ رُؤُوسِ وَأَفْرَاخِ الإِخْوَانِ المُسْلِمُونَ وَاِتِّبَاعَهُمْ الَّذِينَ خَدَعُوا النَّاسَ بِسَمْتِهِمْ وَبَلَاغَتِهِمْ وَحَمَاسُهُمْ، وَإِظْهَارُ غَيْرَتِهِمْ، وَفَصَاحَةِ أَلْسِنَتِهِمْ، وَقُوَّةِ إِلْقَائِهِمْ وَتَعْبِيرِهِمْ وَتَأْثِيرُهُمْ ، وَجَمِيلِ ظَاهِرُهُمْ: {وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾ [المنافقون: 4]
فَكَمْ أَظْهَرُوا حُبَّ العُلَمَاءِ؛ وَفِي الخَفَاءِ رَمَوْهُمْ وَنَبَّزُوهُمْ بِالإِرْجَاءَ والجامية، وَعُلَمَاءُ السُّلْطَانِ وَ المُدَاهَنَةُ والانبطاح، وَغَيْرَهَا مَنْ أَسَوَّا الأَلْقَابَ؛ كَمَا فْعَلُوا مَعَ كُلٍّ مَنْ خَالَفَهُمْ; أَمَّا مَنْ نَاصَحَهُمْ وَبَيْنَ خَطَلِهِمْ ؛ سَلَقُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَأَقْلَامِهِمْ، وَخَاصَمُوهُ بِشِدَّةٍ ، وَفَجَرُوا فِي خُصُومَتِهِمْ لَهُ، وَمَهْمَا عَلَا شَأْنَهُ وَكَانَ مَقَامُهِ استحلُّوا كُلَّ وَسِيلَة تُحَقِّقُ إِسْقَاطَهُ؛ فَيَفْتَرُونَ الكِذْبَ عَلَيْهِ، وَيَبْتُرُونَ كَلَامَهُ، وَيُجَيِّشُونَ النَّاسَ ضِدَّهُ وَذَلِكَ لِمَا تُكِنُّهُ قُلُوبُهُمْ مِنْ الحِقْدِ وَالحَسَدِ وَالكِبَرِ وَمَا تَرَبَّوْا عَلَيْهِ مِنْ الجَهْلِ وَالتَّبَعِيَّةِ العَمْيَاءُ ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزخرف: 58]
وَكَمْ أَظْهَرُوا حُبَّ الوَطَنِ، وَالتَّغَنِّيَ بِهِ، وَفِي الوَاقِعِ وَلَاؤُهُمْ لِغَيْرِهِ، وَتَمْجِيدِهِمْ لِمَنْ يُوَافِقُ حِزْبَهُمْ وَيَدْعَمُ فِكْرَهُمْ؛ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ الكبائر والموبقات لَدَيْهُ؛ بَلْ جَعَلُوا كُلُّ صَغِيرَةٍ لِحُكَّامِهِمْ كَبِيرَةٌ، وَكُلِّ مُنَقَّبَة مَذَمَّة، وَاِمْتَلَأَتْ مَقَالَتُهُمْ وَمُحَاضَرَاتُهُمْ وَتَغْرِيدَاتُهُمْ بِالتَّهْيِيجِ وَالتَّهْرِيجِ، وَالنَّقْدِ لِلتَّجْرِيحِ، والحط مِنْ مَكَانَةِ الحُكَام وَالعُلَماءِ لِإِسْقَاطِهِمْ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ النَّصِيحَةُ وكَشْفٍ الغمة.
وَفِي المُقَابِلِ أَغْمَضُوا أُعَيِّنُهُمْ عَنْ كبائر مُحِبِّيهُمْ، وَجَعَلُوهَا مناقب لِهُمْ؛ حَتَّى عَلْمَانِيَّةُ خليفتهم المنتظر زَيِّنُوهَا بِينَ مُسَالَمَةً وَناعمة ومَقْبُولَةٌ، بَعْدُ إِنْ كَانَ دِينُهِمْ ودَيدَنَهُمْ الحَاكِميَّة؛ كما جَعَلُوا الإِبَاحِيَّةَ وَالاِخْتِلَاطَ لديه عَادَاتٍ، وَالكَلَامَ فِي انصاره من دُعَاةٍ القبورية وَالخُرَافَاتُ تَفْرِيقٌ لِلأُمَّةِ.
وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا
وَكَمْ تُقَرِّبُوا لولاة الأَمْرُ ظَاهِرًا ومِراءاً، أَمَّا فِي الخَفَاءِ فقد اِسْتَخْدَمُوا طُرُقَ التَّلْبِيسِ وَالتَّدْلِيسَ، وَطَعَنُوا فِي كُلِّ قَرَارِ فِيهُ مَصْلَحَةً أَوْ دَفَعَ مَفْسَدَةً أَكْبَرَ، وَاِفْتَاتُوا عَلَى وَلِأَتَّهِمَ، وَتَدَخَّلُوا فِي أَدَقَّ الأُمُورُ الخَاصَّةُ؛ وَهُمْ اِجْهَلْ النَّاسُ بِهَا..
إِنَّهُمْ أَرْبَابُ هَوًى، وَمَنْ اِتَّبَعَ الهَوَى فَقَدْ هَوَّى، وَدُعَاةُ بَاطِلٍ وَالبَاطِلُ لَا يَأْتِي بِالحَقِّ أَبَدًا؛ ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ [المؤمنون: 71]
وَكَمْ أَعْلَنُوا مُحَارَبَةُ الإِرْهَابِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ، بَيْنَمَا اِسْتَخْدَمُوا التَّلْمِيحَ وَالإِبْهَامَ وَالإِجْمَالَ فِي الدِّفَاعِ عَنْ رُؤُوسِهِ وَقَادَتِهِ؛ بِشِعَارَاتٍ فَكُّوا العاني وَمَا أَسَمَّوْهُ اِعْتِقَالَ العُلَماءِ وَأَهَّلَ الرَّاي لِلمُعْتَقَلِينَ مِنْ دُعَاةِ التَّهْيِيجِ، وَتَقْدِيسِ رُمُوزٍ وَمُفَكِّرِي التَّكْفِيرِ وَالإِرْهَابِ كالمودودي وَأَلْبِنَا وَقُطْبٌ وَغَيْرَهِمْ مِمَّنْ سَارْ عَلَى نَهْجُهُمْ، وَإِحَالَوا الشَّبَابُ إِلَى كُتُبِهِمْ لِيَتَلَقَّوْا الفِكْرَ عَنْهِمْ كَمَا أَدْخَلُوا المَنَاهِجِ المُسْتَوْرِدَةِ وَفْقَهُ الثَّوْرَاتِ لِدُعَاةٍ الضَلاَلة مِنْ رُخُومِ الصَّحْوَةُ، ومَنْظَرَيْ القَاعِدَةِ، وَقَادَةِ الأَحْزَابِ أَفْغَانِسْتَانَ وَالشِّيشَانُ وَغَيْرَهَا مِنْ مُوَاطِنِ الفِتَنِ، وَنَشَرَوهَا فِي الشَّبَكَةِ العَنْكَبُوتِيَّةُ وَمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ .
وَكَمْ نَادَوْا بِالجِهَادِ وَالثَّوْرَاتِ وَزَيَّنُوا لَهَا بِلَا شُرُوطٍ أَوْ قُيُودٌ، وَكَانَوا سبباً لذهاب الاغرار لِكُلِّ مَوْقِعِ فِتْنَةٍ ؛ وَهُمْ عَلَى كَرَاسِيِّهِمْ وَبَيْنَ أَهَالِيهِمْ، وَكَانُوا بُوقًا وَعَوْنًا لِأَعْدَاءِ الإِسْلَامِ فِي تَدْمِيرِ كَثِيرٍ مِنْ بِلَادٍ المُسَلَّمِينَ، وَاِنْتِهَاكِ الأَنْفُسِ وَالأَعْرَاضِ وَالأَمْوَالِ.
وَكانت دعوتهم للجهاد فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِنَفْسِ المُعْطَيَاتِ وَالأَدِلَّةِ الَّتِي خَالَفُوا فِيهَا العُلَمَاءُ مما أوصلهم لنَّتَائِجُ مُخِيبَةُ وَمُهْلِكَةُ؛ وفشل متكرر؛ وَالعَجَبُ تَبْرَأُهُمْ الدَّائِمُ مِنْ دَعْوَتِهِمْ وَاتْبَاعَهُمْ!.
﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾ [البقرة : 166]
وَكَمْ أَشْغَلُوا النَّاسُ عَنْ التَّلَقِّي مِنْ العُلَماءِ وَتَعْلَمُ عَقِيدَتَهُمْ ، وَأُصُولَ دِينِهِمْ؛ بِالقِصَصِ وَالأَكَاذِيبِ وَجَمِيلٍ العِبَارَاتُ وَغَرِيبُ الأَخْبَارِ وَدَعْوَى الإعجاز الَّتِي جَمَعَتْ الغوغاء حَوْلَهُمْ، وَتَلَقَّفَتْهَا التَّسْجِيلَاتُ، وَنَشَرَتْهَا فِي الأَوْسَاطِ وَالمُنَاسَبَاتِ بِأَجْمَلِ الإِصْدَارَاتِ، وَالأَشْرِطَةُ وَالأَقْرَاصِ وَالنَّشَرَاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ التَّبَرُّعَاتِ وَالزَّكَوَاتِ؛ الَّتِي كَانَتْ مَصْدَرَ لِجَمْعِ ثَرْوَاتِهِمْ حَتَّى تَطَوَّرُوا وُوصِلُوا لِلعُقُودِ المَلْيُونِيَّةِ مَعَ القَنَوَاتِ الحِزْبِيَّةَ وَالتِّجَارِيَّةَ.
وَكَمْ زَهَدُوا النَّاسُ فِي الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا، بَيْنَمَا تَنَافَسُوا فِي نَيْلٍ أَعْلَى الشَّهَادَاتِ؛ ما بين جِد ومحسوبيات؛ أو بِأَيِّ طَرِيقَةٍ!! مما مكنهم التغلغل فِي مَفَاصِلِ الدَّوْلَةِ، والوصول لأَعْلَى المَنَاصِبِ والقيادات؛ كما تَسَابَقُوا فِي أَنْوَاعٍ التِجارات؛ وَكل ذلك وفْقَ تَخْطِيطٍ مُنَظَّمٍ مَدْرُوسٍ وَتَعَاوُنِ هَرَمِي مَلْمُوسٌ .
هَذِهِ أَمْثِلَةُ بَسِيطَةٍ مِنْ صُور النِّفَاقُ والتدليسات الَّتِي تَلَبَّسُوا وَلَبَّسُوا بِهَا..
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ﴾ [البقرة: 204]
أَمَّا عَلَامَاتُ النِّفَاقِ الظَّاهِرَةُ فَمِنْهَا الكِذْبِ فِي الحَدِيثِ الَّذِي تَعِجُّ بِهِ خُطَبُهُمْ وَمُحَاضَرَاتُهُمْ ، وَنَقْضُ العُهُودِ الَّتِي فِي رِقَابِهِمْ، وَخِيَانَةِ الأَمَانَةِ فِي النَّقْلِ العِلْمِيُّ وَالاِسْتِدْلَالِ وَالسَّرَقَةِ وَاِنْتِحَالِ المَقَالَاتِ وَالكُتُبِ وَمُحَارَبَةٍ أَهِلُّ أُلْحِقَ وَرْدٌ مَا عِنْدَهِمْ، وَمُوَالَاة أَهْلِ البِدَعِ وَالفُسُوقُ.
أَمَّا تَنَازُلُهُمْ عَنْ المباديء وَالقِيَمُ لِأَجْلِ، مَا أَسَمَّوْهُ مَصْلَحَةَ الدَّعْوَةِ لِلوُصُولِ لِغَايَاتِهِمْ بِأَيِّ طَرِيقةٍ وَوَسِيلَةً فَحَدَثٌ وَلَا حَرَجٌ.
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَبَّبَ فِي تغرير الشَّبَابَ وَإِضَاعَتَهُمْ، وَتَشْوِيهَ الإِسْلَامِ، وَتَأْخِيرِ الدَّعْوَةِ، وَإِثَارَةِ الفِتَنِ، وإهلاك الحَرْثُ وَالنَّسْلُ، وَاِنْتِهَاكُ الأَعْرَاضِ، وَالأَنْفُسُ، وَتَحْقِيقُ مَصَالِحِ الأَعْدَاءِ.
وَقَدْ قَالَ اللّه تَعَالَى فِي أَسْلَافِهِمْ: ﴿يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة: 47 – 48]
اقرأ المزيد
لم تعد الحرب في الوقت الراهن حرب تقليدية واضحة المعالم والأدوات كما كانت من قبل
رسالة ود ومحبة وإخاء لمن يستشعر هذه الأيام بشيئ من الملل ويشعر بالضيق من الجلوس في منزله بسبب فيروس "كورونا" .
فإن صدور القرارات المتتالية والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية في تصدي مرض كورونا
الأمة الإسلامية شرفها الله بأعظم رسالة، ورسالتها قائمة على العبادة، وأشرف أماكن العبادة المساجد
الحمد للهِ العظيمِ القادر، الفعَّالِ لِمَا يُريد، الذي خلَق فقدَّر، ودبَّرَ فيسَّر، فكُلُّ عبدٍ إلى ما قَدَّرَه عليه وقضَاه صائر، لا يُسألُ عمَّا يَفعل وهُم يُسئَلون، وأشهد أنْ لا إله إلا الل